تعرف علي المدينة الحمراء في المغرب
تلك المدينة المغربية الفاتنة “المدينة الحمراء”، أو” البهجة” كما يحب أن يطلق سكانها عليها، مدينة الشمس والقمر، والثلوج والنخيل، والحضارة والتاريخ. وصفها مؤرخها ابن المؤقت بأنها: “دار الفقه والعلم والصلاح، قاعدة بلاد المغرب وقطرها ومركزها وقطبها، فسيحة الأرجاء، صحيحة الهواء، بسيطة الساحة ومستطيلة المساحة، كثيرة المساجد، عظيمة المشاهد، جمعت بين عذوبة الماء واعتدال الهواء، وطيب التربة، وحسن الثمرة، وسعة الحرث، وعظيم البركة”.
* احجز من هنا في فناق مراكش بعروض أسعار رائعة
رأيتها وفهمت السر، وعرفت لماذا يعشق الناس مراكش ورأيت بعيني كيف ترحب هذه الفاتنة بزائريها.
مرة وكش.. مراكش
أعارت مدينة مراكش اسمها للمغرب فترة من فترات التاريخ؛ فكانت المغرب هي مراكش، وهي المدينة الجنوبية التي سلبت لب السلطان “يوسف بن تاشفين”- سلطان دولة المرابطين- عندما أراد تأسيس عاصمة لدولته بموقعها المتميز على بعد 30 كيلومتر من سفوح جبال أطلس بارتفاع 450 متراً عن سطح البحر، ولما رآها وسحرته احتار ماذا يسميها وبينما هو في حيرته سمع رجلاً يسأل ابنه: هل حقاً سقيت هذا الحقل؟، فيجيب الابن: نعم قد فعلت مرة وكش. وكان المعنى: سقيته مرة وقد نشف. فأعجب الخليفة بالكلمة المأخوذة من هاتين الكلمتين مرة وكش فاتخذها اسماً لعاصمة دولة المرابطين، واهتم بها وخط شوارعها وقصورها وزرع حدائقها واهتم بمدارسها لتكون مراكش تحت حكم المرابطين مركزاً ثقافياً وسياسياً واقتصادياً لا نظير له.
وعندما تراخت دولة الموحدين استولى المرينيون القادمون من الشرق سنة 1269م على المدينة، واتخذوا مدينة فاس عاصمة لهم مما أدى إلى تراجع مراكش، ثم استعادت المدينة مكانتها كعاصمة للسعديين بين 1589 و1659م، وشُيدت بها بنايات جديدة أهمها قصر البديع، وأخذت شكلها النهائي الذى هيأها لتكون في مكانتها اليوم قبلة للسياحة العربية والعالمية.
حدائق زرقاء في قلب المدينة الحمراء
تتمتع مراكش بمناخ جميل وشمس دافئة طوال العام، ويقولون أن شمس مراكش هي مطرها، وتغري الشمس اللطيفة في فصل الربيع بالمشى بين جنبات المدينة وزيارة حدائقها كحدائق المنارة وحدائق ماجوريل التي بناها الرسام الفرنسي جاك ماجوريل عام 1924، وحرص على دهان مبانيها باللون الأزرق وهو ما فاجئ سكان المدينة الحمراء، لتظل الحديقة محتفظة بطابعها الخاص حتى عام 1980، عندما اشترى مصمم الأزياء العالمي إيف سان لوران، والكاتب الفرنسي بيير بيرجي الحديقة. وتم تحويل المبنى المحيط بها إلى متحف للفنون الإسلامية، كما تحتوي الحديقة على نباتات وأزهار وصبارات نادرة قادمة من مختلف أنحاء الأرض.
كما افتتح في قلب حديقة ماجوريل في شهر ديسمبر 2011، المتحف الأمازيغي والذي يُعتبر الأول من نوعه في المغرب، ويضم 600 تحفة فنية أمازيغية مُوزعة بعناية في أربع قاعات تؤرخ للثقافة والحياة الأمازيغية، كما يضم المتحف مكتبة كبيرة تقدم مجموعة من الكتب المرتبطة بالثقافة الأمازيغية.
التاريخ في مراكش
أما عشاق التاريخ والآثار فلهم موعد مع مدينة مراكش الأثرية، والتي خلّف فيها ساكنوها القدامى من المرابطين الموحدين والسعديين كماً هائلاً من الآثار الخالدة، ولعل الأثر الأكبر والأعظم هو جامع “الكتبية” بمنارته الشهيرة وهو يعد من أجمل وأشهر الآثار في المغرب العربي، ولا تنسى عزيزى الزائر التجول بين جنبات القصور التاريخية العظيمة كأطلال قصر” البديع” الذى يحتوي على 360 غرفة، واستغرق بناؤه ربع قرن من الزمن، ويميزه كثرة الزخارف وتنوع المواد المستعملة في تزيينه كالرخام والتيجان، والأعمدة المكسوة بأوراق الذهب والخشب المنقوش والمصبوغ، حتى أنه اعُتبر إحدى عجائب الدنيا السبع في زمن بنائه.
ومن قصر “البديع” إلى قصر “الباهية ” الذي بني عام 1880 ليكون سكن الوزير “با أحمد”، ومنه إلى دار”السي سعيد” الذى يعود تاريخ بنائها إلى نهاية القرن التاسع عشر، وتحوي متحفا للفن المغربي.
كما توجد مجموعة من البيوت الأثرية القديمة تسمى “الرياض”، والتي تثير شغف عدد من الفنانين العالمين الذين يزورون المغرب خصيصاً للدراسة والتعرف على الحقب التاريخية المختلفة عبر هذه البيوت القديمة كدار “تسكوين” وتضم المجموعة الشخصية للفنان الهولندي بيرت فلينت.
ولاتنس عزيزي الزائر أن تمر على “القبة المرابطية ” العريقة التى تقع في الجزء الجنوبي من المدينة، وكذلك قبور السعديين في حي القصبة ودفن فيها أفراد العائله الملكية السعدية، وتتكون من ثلاث قاعات: المحراب، قاعة الإثنا عشرة عموداً، وقاعة الكوات الثلاث. أما إذا شعرت بالعطش فلابد أن تتوجه إلى سقاية المواسين التى تجمع مابين سقاية لعابرى السبيل ومسجد وخزانة ومدرسة قرآنية.
وإذا أردت مشاهدة تحفة فنية من تحف المدينة المراكشية فعليك زيارة جامع “المنصور” أو جامع “القصبة” الذي شيده السلطان يعقوب المنصور ما بين عاميّ 1185 و1190. وكان يُسمى حينذاك مسجد “التفاحات الذهبية” نظراُ لأن مصابيحه صُنعت من ذهب زوجة يعقوب المنصور.
ساحة الفنا.. قلب مراكش النابض
لمراكش أكثر من متعة، وقد تقضي فيها عمراً دون أن تتعرف على كل عوالمها الساحرة، لذلك ننصحك ألا تفوت أسوار المدينة الشهيرة التي تمتد على مسافة تسعة كيلومترات، وأنشئت خلال عهد الموحدين لتحصين المدينة، ولم يبق من الأبواب سوى “أگناو” قبالة “صومعة الجامع”، وهو الباب الرئيسي للقصبة الموحدية وينفرد بشكله عن باقي الأبواب من خلال زخرفته الرفيعة.
أيضاً لا تنسى زيارة أشهر المدارس المراكشية وأهمها المدرسة اليوسفية، العباسية، حومة باب الدكالة، الشعب، المواسين، ومدرسة حومة سيدى محمد بن صالح.
ومن المدارس إلى الأسواق المراكشية الشهيرة ومن أهمها سوق الصباغين، وسوق الشواري، وسوق الحدادين، وسوق الجلود، وسوق سماطة حيث تصنع الأحذية، وكذلك سوق الشراطين.
مع كل تلك الإثارة والجولة الطويلة في مراكش الجميلة، لابد وأنك بحاجة لأن تستريح وتستمتع بوجبة شهية أو كوب من الشاي الأخضر أو التسوق والتقاط الصور لهذه العروض العائلية للحكواتية والبهلوانات ومروضى الثعابين، ومدربى القردة أو المرور على راسمات الحنة وعرافات ساحة “الفنا” الشهيرة والتى تعتبر قلب المدينة النابض.
يعود تاريخ ساحة الفنا إلى عهد الدولة المرابطية، فقد بنيت هذه الساحة خلال القرن الخامس الهجري كنواة للتسوق، لكن أهميتها تزايدت بعد تشييد مسجد الكتبية بعد قرابة قرن كامل، واستغل الملوك والسلاطين هذا الفضاء لاستعراض جيوشهم والوقوف على استعدادات قواتهم قبيل المعارك.
وتستقطب هذه الساحة، التي أعلنتها اليونيسكو ضمن مواقع التراث الإنساني في عام 2001، كل عام ملايين الزوار. وتشكل مركزاً حيوياً للتسوق والسياحة، ويتجمع فيها الناس في حلقات متنوعة ليستمعوا إلى روايات القصاصين الشعبيين عن كرامات المسلمين الأوائل الذين جاؤوا إلى هذه البلاد، كما يرددون الأذكار والمدائح النبوية وقصص ألف ليلة وليلة. وتتحول الساحة ليلاً إلى مطاعم شعبية تقدم شهى الأطباق المغربية مثل المشويات والكسكسى، والبسطيلة، والسمك، والدجاج، والطاجين، والشوربة المغربية (حريرة) المصحوبة بالتمر والحلويات المغربية الشهيرة بالشباكية.
وتنتشر في ساحة الفنا الحوانيت الحافلة بمختلف البضائع من الصناعات التقليدية المغربية مثل المنحوتات والمنتوجات الجلدية واللباس التقليدي من القفطان والجلباب والمصنوعات الخزفية وكذلك محلات التوابل والبخور والعطور، كما يمر البائعون المتجولون حاملين بضائع وهدايا تذكارية.
مراكش بين الأمس واليوم
بالإضافة لسحر مراكش واحتفاظها بطابعها التاريخي القديم هي مدينة عصرية لا تنقصها الفنادق الفخمة والمتنزهات ووكالات السفر والتجهيزات الترفيهية، ومراكز الجذب السياحي خارجها مثل مناطق التزلج على الجليد في “أوكيمدن”، و”أوريكا “ومراكز” إسني “، و”الويدان”، و”البرج “وغيرها. ولهذه الأسباب صارت مراكش وجهة مفضلة لكثير من السياح والمشاهير حول العالم أمثال الممثل الأمريكي شون كونيري، براد بيت، أنجلينا جولي، زين الدين زيدان وغيرهم.
إترك رد
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.